29 - 06 - 2024

مؤشرات | صراع الساسة وحرب تكساس .. مجرد نموذج نحياه

مؤشرات | صراع الساسة وحرب تكساس .. مجرد نموذج نحياه

تابعت على مدى الأيام الماضية تفاصيل حادث المجزرة المروعة التي شهدتها مدرسة ابتدائية تسمى "روب" الابتدائية " في منطقةيوفالدي ريفية بولاية تكساس الأمريكية، والتي راح ضحيتها 19 طفلا وطفلة ومعلمتين جراء اطلاق نار على يد شخص يدعي "سلفادور راموس"، في قلب أمريكا التي تدعي الديمقراطية، بينما تنخر فيها الفوضي كأي بلد فقير حول العالم.

وتتفق وسائل الإعلام على أن  الولايات المتحدة تشهد بشكل متكرر حوادث عنف وإطلاق نار، خصوصا في المدارس وغيرها تسفر عن عشرات القتلى الأبرياء، ومن أشهر هذه الحوادث مقتل عشرين طفلا في ولاية كونيكتيكت عام 2012 بعدما فتح رجل النار عليهم في مدرسة، وفي 2018 قتل طالب في مدرسة ثانوية بولاية تكساس ثمانية من زملائه وهي الحادثة التي سبقتها بعدة أشهر حادثة أخرى راح ضحيتها 17 شخصا. 

وفي كل مرة تحيي هذ الحوادث الجدل المحتدم بالبلاد حول استخدام وشراء الأسلحة النارية، دون الوصول إلى حل، بينما يستمر الجدل بين الساسة وأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب البعيدين عن مثل تلك الحوادث والذين يتمتعون بحماية خاصة، فيما أن الفقراء- كما هو الحال في كل بلدان العالم- يتحملون العبء الأكبر، ويظلون هم من يدفعون الثمن.

مع كل حادث من حوادث إطلاق النار العشوائي فى الولايات المتحدة، يتجدد الجدل والسجال السياسي حول قوانين حيازة السلاح، وبعد مذبحة تكساس، يحاول السياسيون الأمريكيون مرة أخرى إيجاد طريق للمضي قدمًا في تشريعات حيازة الأسلحة، ولكن نرى الصراع السياسي  هو سيد الموقف، حيث تنقل وسائل الإعلام الأمريكية هجوما كبيرا من الديمقراطيين على حرية حيازة السلاح، ويتمسك الجمهوريون بضمان هذه الحرية.. ليظل السؤال داخل الشارع الأمريكي "من المستفيد من هذه الحرب التي يقودها حملة السلاح، ووراءهم كبار مستفيدون من جني ارباح بيع السلاح للعامة؟.

الجدل هذا المرة مختلف، فأمام الهجوم الديمقراطي الكبير على حمل السلاح ومخاطرة، رأى بعض الساسة الجمهوريين أن هناك فرصة سياسية فى هذه القضية، وذلك قبل أشهر على انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونجرس الأمريكي المقررة فى نوفمبرالمقبل.

والسؤال، هل تنجح محاولات إمكانية إصدار قانون ما يسمى بـ"العلم الأحمر" على المستوى الفيدرالي، وهو تعميم لقوانين محلية تصدرها المجالس التشريعية للولايات، فقانون العلم الأحمر هو تشريعات خاصة بحيازة الأسلحة تمنح سلطات إنفاذ القانون سلطة مصادرة الأسلحة مؤقتًا من شخص يظهر سلوكًا مقلقًا مثل إصدار تهديدات محددة بإلحاق الأذى بفرد أو أفراد أو إظهار علامات المعاناة من مرض عقلي خطير، ولكن لا يلغي حمل السلاح، وكذلك بمصادرة الأسلحة النارية من الأفراد الذين تعتبرهم المحكمة خطرين.

مثل هذه القوانين في الولايات المتحدة هي قوانين محلية، بمعنى أنها تخص كل ولاية، ولا يوجد قانون فيدرالي عام يخص كل الولايات،فإصدار القوانين في أمريكا له طبيعة خاصة وخصوصية شديدة يختلف من ولاية إلى ولاية.

ويرى مؤيدو قوانين العلم الأحمر بأن العديد من مرتكبي أسوأ حوادث إطلاق النار في المدارس في الولايات المتحدة أظهروا جميعًا علامات تحذير، كان من الممكن التعرف عليها في وقت مبكر، وإذا كانت الولايات التي يعيش فيها هؤلاء الجناة قد أقرت قوانين العلم الأحمر، كان من الممكن استخدام التشريعات لتقديم التماس لنزع أسلحة هؤلاء الجناة.

وبعد حادث تكساس، زاد الجدل حول أهمية وجود قانون فيدرالي، ولكن ظهور مثل هذا القانون ليس بالسهل في بلد له طبيعته الخاصة، ففي عام 2019 وأمام مجلس الشيوخ وبعد إطلاق النار الجماعي في سان أنطونيو ودايتون، بولاية أوهايو ظهر اقتراح بتشريع فيدرالي للعلم الأحمر وتم طرح تثبيت قانون العلم الأحمر على المستوى الوطني.

ووقتها أيد الرئيس السابق دونالد ترامب أيضا إجراءات لمصادرة الأسلحة النارية من أولئك الذين يُعتبرون خطرين، إلا أنه ووفق تعبيرات الصحافة الأمريكية استخدم عبارات "مطاطة" بقوله "يجب أن نتأكد من أن أولئك الذين يُحكم عليهم بأنهم يشكلون خطرا جسيما على السلامة العامة لا يمكنهم الوصول إلى الأسلحة النارية، وإذا فعلوا ذلك يمكن مصادرة تلك الأسلحة النارية من خلال الإجراءات القانونية السريعة"، ورغم كل هذا لم ينجح مشروع القانون في الحصول علي تأييد الأصوات الـ60 صوتا اللازمة لتمرير الاقتراح في مجلس الشيوخ.

قضية اقتناء السلاح في أمريكا والجدل والصراع السياسي عليها تكشف أن المعارك الإنتخابية واستقطاب الأصوات هي أهم في كل دول العالم حتى في أمريكا من الحرب على ما يهدد الناس وحياتهم.

ويبدوا أن الشعوب – كل الشعوب- ستظل تلجأ لحماية أنفسها، لحين ينتهي صراع وحروب الساسة والحكام، كما فعلت الطفلة "ميا سيريلو" في مدرسة "روب" الابتدائية في منطقة "يوفالدي" بولاية تكساس الأمريكية، لتحمي نفسها من طلقات بندقية "سلفادور راموس"، بتلطيخ جسمها بدماء زميلها المقتول للتموبه على الجاني، بعدما لم تستجب الطوارئ لها بعد الإستغاثة عدة مرات ولم يستجب أحد لمقولتها "أرجوكم تعالوا".
-----------------------------
بقلم: محمود الحضري
من المشهد الأسبوعي

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | استثمار زراعي .. ولا مكان لصغار الفلاحين





اعلان